بحـث
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
جاسم الدجيلي - 803 | ||||
الولاء للوطن - 57 | ||||
عاشق الحكيم - 35 | ||||
حجابي وقاري - 19 | ||||
علي الخربطلي - 17 | ||||
ريحانه العراق محبه الحكيم - 11 | ||||
دروب الحكيم - 5 | ||||
عسوله - 2 | ||||
امير - 2 | ||||
سجاد الموسوي - 1 |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 212 بتاريخ الثلاثاء نوفمبر 05, 2024 2:24 am
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 56 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو ابو مشكات فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 932 مساهمة في هذا المنتدى في 540 موضوع
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
سياسة أهل البيت
صفحة 1 من اصل 1
سياسة أهل البيت
سياسة أهل البيت
سياسة العترة الطاهرة هي سياسة بناءة تعمل على إيجاد الوسائل السليمة لرقي المجتمع وبلوغ أهدافه في الحياة الحرة الكريمة سياسة تسعى لتحقيق المساواة في ربوعه، والفرص المتكافئة بين أبنائه لوقايتهم من الظلم والحرمان.
سياسة تبنت العدل الخالص، والحق المحض، ومثلت وجهة الإسلام الصحيحة وأهدافه الإنسانية في عالم السياسة والحكم والإدارة هي أرقى سياسة عرفها التاريخ وأجدرها بتحقيق العدل السياسي والعدل الاجتماعي بين الناس لأنها تنشد الاطمئنان لا يشوبه قلق، والأمن لا يشوبه خوف، والعدل لا يشوبه ظلم. سياسة صريحة واضحة في جميع معالمها وجميع أهدافها. ولصلابة منفذيها في الحق الصريح، وصرامتها في العدل السليم ثار عليها النفعيون والمنحرفون وطالبوهم أن ينهجوا منهجاً يلبي مصالحهم وأطماعهم، ولو أنهم استجابوا لهم لما آلت الخلافة إلى غيرهم ولكنهم سلام الله عليهم آثروا رضا الله عز وجل وسلكوا الطريق الواضح الذي يقره الدين الحنيف. وسوف نعرض لبعض مبادئهم العادلة ومثلهم العليا وأهدافهم الإنسانية السليمة.
1 ـ نظرتهم إلى الخلافة:
الخلافة في نظر أهل البيت تكليف لا تشريف، ظل الله في الأرض يتحقق في ظلالها العدل الشامل ويعم في أرجاء البلاد الأمن بين جميع المواطنين على حد سواء. وإذا تجردت السلطة من هذه الأهداف العليا لا طمع لهم فيها ولا أرب. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عباس: وكان يخصف نعله.
يا ابن عباس ما قيمة هذا النعل؟
لا قيمة له يا أمير المؤمنين.
والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً وأدفع باطلاً. إن حذاءه الذي كان من ليف أثمن عنده من الأمرة التي لا يقام فيها الحق ولا يدفع فيها الباطل. وقد كشف في بعض كلماته السر في إحجامه عن مبايعة أبي بكر في (السقيفة)فقال (عليه السلام): (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد عن معالم دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك)(1).
ولهذه الأسباب امتنع عن مبايعته لأبي بكر وأقام عليه سيلاً من الأدلة التي تثبت أحقيته بالخلافة دونه. لكنه أغمد سيفه (ذو الفقار) ولم يناجزه الحرب حرصاً منه على مصلحة الأمة الإسلامية وهو يرى أن واجب الأمة تنقاد إليه كما أمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك. فقد قال له:
(يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك ـ يعني الخلافة ـ فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك)(2).
لقد كان من واجب المسلمين الانقياد لعترة نبيهم، والرجوع إليهم ليحكموا فيهم بما أنزل الله، ويردهم إلى الحق الواضح، والطريق المستقيم. لكن القوم في الماضي والحاضر تغرهم الدنيا الفانية، وتخدعهم السلطة الفارغة، فينطلقوا وراء أطماعهم.
ولذلك وجدناهم قد صرفوا الأمر عن أهله، ووضعوه في غير محله مما أدى إلى الخطوب الفادحة والمحن الشاقة التي مني بها المسلمون في جميع الأقطار الإسلامية.
2 ـ المثل العليا:
أما المثل العليا والأهداف الإنسانية النبيلة التي تبناها أهل البيت في جميع المجالات فهي:
العدل والمساواة والحرية والصدق والولاة والعمال. السياسة الحربية والسياسة المالية.
أ ـ العدل:
السياسة الإسلامية بجميع مفاهيمها تبنت العدل وآمنت به إيماناً مطلقاً، فأهابت بالحكام والأمراء أن يطبقوه على مسرح الحياة تطبيقاً لقوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)(3).
وقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)(4).
أجمع المسلمون على أن الحاكم إذا انحرف في حكمه وجب عزله.
وقد عزل أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد ولاته عندما أخبروه بأنه قد جار في حكمه. فقال: (اللهم أنت الشاهد علي وعليهم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك) ثم عزله في الوقت (5).
ويقول الإمام الصادق، (اتقوا الله، واعدلوا فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون)(6).
إن سعادة الأمة ورقيها وحضارتها تقاس بعدل حكامها، فإذا تجاوز الحكام حدود الله وجاروا في الحكم تعرضت الأمة للأزمات وسادت فيها النزاعات وعمت في ديارها الفوضى. لذلك: حرص الإسلام أن يكون الحكم بيد الصلحاء الأتقياء من أمته. لأن الحكم سلطان وإغراء ولا يفلت من ربقته إلا ذوو النفوس الكريمة الأبية الطاهرة ـ وما أقل عددهم ـ في الماضي والحاضر.
وما يزيد قوله: إن سياسة أهل البيت قد تركزت على العدل الشامل والناس كلهم سواء أمام الشرع الإسلامي.
ب ـ المساواة:
أسبغ الإسلام نعمة المساواة على الإنسانية بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المجتمع الإنساني. فقد أعلن المساواة العادلة بين جميع الأفراد والجماعات، وبين جميع الأجناس من أي عرق ولون، فلا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي، والناس كلهم سواسية كأسنان المشط لا فضل لبعضهم على بعض إلا بالتقوى والعمل الصالح. وقد طبق الإمام علي (عليه السلام) المساواة العادلة تطبيقاً شاملاً في عهده، فأمر ولاته وعماله أن يساووا ين الناس جاء في بعض رسائله (7) (واخفض للرعية جناحك وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك)(.
فما أحوجنا نحن اليوم إليك يا أبا الحسن في هذه الأيام الظالمة والمظلمة جميع الأحرار ينادونك بأعلى أصواتهم ويطلبون الفرج من حفيدك المهدي عجل الله فرجه الشريف.
لكن السياسة العادلة لا تروق للطماعين والحاقدين والظالمين، فقد أثارت السياسة العلوية العادلة الأحقاد والضغائن ضده وأدت إلى تكتل القوى الباغية وتظافرها على منجزاته. قال في ذلك المدائني:
(إن من أهم الأسباب في تخاذل العرب عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان اتباعه لمبدأ المساواة بين الناس حيث كان لا يفضل شريفاً على مشروف ولا عربياً على عجمي ولا يصانع الرؤساء والقبائل)(9) والسبب في ذلك يعود إلى جهل جبابرة العرب وطغاة قريش ومن سار في ركابهم، الأهداف الأصيلة التي جاء بها الإسلام وأهمها: تعميم المساواة وبسط العدل والقضاء على الظلم. لقد كانوا يريدون الامتيازات والاستئثار بأموال المسلمين، والاستعلاء على الفقراء والضعفاء. وكل ذلك يتنافى مع سيرة علي بن أبي طالب رائد العدالة الاجتماعية الكبرى في الأرض. وقد سار خلفاؤه (عليهم السلام) على نهجه وخطته وسيرته ولاقوا من المستكبرين الكثير من المعانات.
ج ـ الحرية:
تبنى الإسلام الحرية العامة لجميع المواطنين وألزم الدولة بحمايتها، وتطبيقها على مسرح الحياة. ونقصد حرية العقيدة (لا إكراه في الدين)(10) أو حرية التفكير والتعبير عن الرأي، أو الحرية السياسية… وكل هذه المناحي من الحرية قدرها الإسلام واعتبرها حقوقاً طبيعية للإنسان لا غنى له عنها بأي حال من الأحوال. وقد طبق الإمام أمير المؤمنين الحرية بأجلى معانيها وأرحب مفاهيمها في عهد خلافته. فإنه لم يكره العباد على مبايعته،
وإنما تركهم وشأنهم يتمتعون بحريتهم من دون أن يتعرض لهم بأي أذى أو مكروه. وكذلك عامل الخوارج فإنه لم يناجزهم الحرب حتى أنذرهم وحاججهم وأبطل شبههم. ولكن لما عاثوا فساداً في الأرض، وأخلوا بالأمن العام ناجزهم عملاً بقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)(11) وكذلك أعطى الحرية الكاملة للحزب الأموي فلم يتعرض لهم بأذى أو مكروه علماً أنهم كانوا من ألدّ خصومه وأعدائه.هذه الحرية التي أعطاها الإمام للأحزاب في سياسته البناءة كانت أوسع حرية عرفها التاريخ في العالم.
د ـ الصدق:
كان شعار أهل البيت في سياستهم الرشيدة الصدق في المعاملة والصراحة، فلا تنافق ولا انحراف، ولا توارب ولا خداع، ولا إغراء بالوعود الكاذبة والأماني المعسولة كما كانت الحال السائدة في العصور الأموية. لقد حفلت سياسة العترة الطاهرة بالصدق والصراحة في جميع الميادين. وهكذا فعل جد الإمام الباقر سيد الشهداء الأمام الحسين (عليه السلام) مع الجماهير التي صحبته من مكة والتي التحقت به أثناء الطريق حينما بلغه مقتل سفيره الشهيد البطل العظيم مسلم بن عقيل. صارحهم سبط النبي (صلّى الله عليه وآله) بخيانة أهل الكوفة وغدرهم بعهودهم ومواثيقهم، وأنه متوجه في سفره إلى ساحة الموت. كشف لهم في تلك الساعة الرهيبة الستار عن خطته ليكونوا على بصيرة من أمرهم عملاً بأوامر الإسلام التي تلزم بالصدق والصراحة. قال تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)(12).
وقد وصف تعالى المتقين بالصدق: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(13).
ولو كانت المواربة سائغة في الإسلام بأي شكل من الأشكال لما تغلب معاوية بن أبي سفيان خصم الإسلام على أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد كان بإمكانه أن يساومه بعد مقتل عثمان ويبقيه على ولايته في دمشق، ثم يعزله بعد ذلك عن منصبه ويتخلص من شره وغدره. لكن رائد الإسلام الحق يأبى تلك المساومة الرخيصة فامتنع من بقاء معاوية في جهاز الحكم ولو زمناً قصيراً، لأنه يطبق الحكم الإسلامي الذي يأمر بالتمسك بالصدق ولا يسمح استعمال الطرق الملتوية والمواربة في الحكم.
يقول الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ومازال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ومازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)(14).
لقد ركز أهل البيت سياستهم على الصدق والصراحة، وجنبوها من المكر والخداع، يقول أمير المؤمنين: (لولا أن المكر في النار لكنت أمكر الناس). وكم كان يتنفس الصعداء من الآلام المرهقة التي لاقاها من خصومه الماكرين الخادعين. ويقول:
(واويلاه، يمكرون بي ويعلمون أني بمكرهم عالم، وأعرف منهم بوجوه المكر، ولكني أعلم أن المكر والخديعة في النار، فأصبر على مكرهم ولا أرتكب مثل ما ارتكبوه)(15).
ويقول في الغدر (عليه السلام): (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)(16) ورد على عبيد الشهوات والمناصب في عهده فقالوا: بأنه لا دراية له في شؤون السياسة، وإن معاوية خبير بها وخليق بإدارة دفة الحكم. قال (عليه السلام):
(والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس)(17).
إن سياسة أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت قد عبرت في جميع شؤونها عن القيم السياسية الخيرة التي أعلنها الإسلام، والتي بلا ريب لا تقر الغدر، ولا المكر، ولا الخداع، ولا تؤمن بأي وسيلة من وسائل النفاق الاجتماعي، وإن توقف عليها النجاح السياسي المؤقت.
والخلافة في الإسلام، كما هو معروف، من أهم المراكز الحساسة، فلا بد لها من الاعتماد على الخلق الرصين والإيمان العميق بحق المجتمع والأمة. غايتها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإرشاده إلى طريق الخير والصلاح عن طريق الأئمة المهديين.
وقد سار الأئمة المعصومون على مخططات الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في عالم السياسة وإدارة الحكم، وتجنبوا جميع الطرق الشاذة التي سلكها أعداؤهم.
هـ ـ كفاءة الولاة والعمال:
وضع أهل البيت شروطاً أساسية للموظفين في جهاز الحكم والإدارة فعليهم أن يكونوا من خيرة الرجال في الكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة شؤون البلاد، وأن يضعوا المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية ويسيروا بين الناس سيرة قوامها العدل الخالص والحق المحض. وأن يكونوا أمناء فيما يجبونه وفيما ينفقونه، بعيدين عن الرشوة والهدايا، لأن الرشوة تؤدي حتماً إلى الانهيار الأخلاقي شيوع الباطل، والفساد في الأرض، وهي من أهم الأسباب في دمار الحكومات وزوالها، وحجب المواطن عن الحق يضره إلى إنقاذ نفسه بالرشوة. ومن الطبيعي أن يحدث اضطراب في المجتمع وانتشار الظلم والجور.. ولذلك وجدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) لما بلغه أن عامله بالبصرة سهل بن حنيف قد دعي إلى مأدبة فأجاب إليها، كتب إليه يستنكر منه ذلك، ويوبخه على ما صدر منه. وهذا بعض ما كتبه:
(أما بعد: يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك
إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فألفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه (18).
بهذه السياسة البناءة تتحقق العدالة الاجتماعية، ويسود الأمن والرخاء ويقضي على جميع أنواع الظلم.
وما أحوجنا نحن اليوم إلى مثل هؤلاء العمال والحكام والولاة في هذه الظروف المعيشية الصعبة.
و ـ الخدمة العسكرية:
دعا أهل البيت إلى الجهاد كفرض من فروض الله ولم يكرهوا الناس على الخروج إلى الحرب. ومن شاء أن يخرج خرج مؤدياً لما فرض عليه ومن قعد وتقاعس فإنما يهمل ما أوجبه الله عليه من دون أن ينال عقوبة أو يتعرض للسخط والإرهاب. وهكذا فعل أمير المؤمنين في حرب الجمل وصفين، والنهروان. وقد أرادوا أن يندفع الناس إلى الجهاد بدافع الإيمان والعقيدة لما أوجبه الله عليهم من الفرض.
وعلى عكس ذلك تماماً سار بنو أمية فإنهم كانوا يفرضون العقاب على كل من تخلف عن الحرب. يحدثنا التاريخ عن سيرة أحد ولاتهم المجرمين وهو عبيد الله بن زياد لما أمر بالخروج لحرب سيد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء فقتل الشامي لأنه لم يكن ممن خرج إلى الحرب.
والطاغية الحجاج قتل عمرو بن ضابي البرجمي لأنه لم يستجب للالتحاق بجيش المهلب بن أبي صفرة.
هذه الخطة الإرهابية أدت إلى إرغام الناس على الاستجابة لهم بالكره والقهر. أما سياسة أهل البيت فكانت سياسة لين وحرية سياسة قرآنية إسلامية عادلة. فالإمام الحسن (عليه السلام) لو أنه أجبر جيشه على الطاعة وأنزل العقاب
الصارم بالمتخاذلين، لما أصيب جيشه بتلك الزعازع والانتكاسات، لكنه سلام الله عليه قد سلك الطريق الإسلامي العادل والواضح الذي لا تعقيد فيه ولا التواء، وآثر رضا الله عنه على كل شيء.
ز ـ السياسة المالية:
انتهج أهل البيت سياسة مالية عادلة فأنفقوا أموال الخزينة المركزية على المصالح العامة والمشاريع الخيرية التي تنتعش بها الحياة وتقضي على الفقر والحرمان. ولا يسوغ عندهم درهم واحد فيما لا تعود فيه منفعة أو فائدة للأمة. وقد احتاطوا في ذلك احتياطاً بالغاً. فأمير المؤمنين (عليه السلام) أثارت عليه هذه السياسة المالية أحقاد العرب وأضغان قريش، التجار الأثرياء، حتى أقبلوا عليه يطلبون منه أن يغير سياسته فقالوا له:
(يا أمير المؤمنين، أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس) سقط هذا المنطق عليه كالصاعقة، وانبرى قائلاً لهم:
(أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور..)(19).
فعليك ألف سلام يا أبا الحسن وعلى الأئمة الطاهرين من بعدك، أموال المسلمين يجب أن تنفق على مصالحهم وضمان عائلهم ومحرومهم، وليس لزعيم هذه الطائفة أو تلك. فإن ذلك خيانة لله والمسلمين. وتفضيل العرب على غيرهم من الشعوب الأخرى، ومنح الأموال للوجوه والزعماء جور واعتداء على حقوق المسلمين في نظر أهل البيت وعلى رأسهم ابن أبي طالب رائد العدالة والحرية والمساواة في الأرض. كان (عليه السلام) يعيش عيشة الفقراء في أكله ولباسه ومسكنه.
دخل عليه رجل والوقت كان شديد البرد فقال له: (يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك؟) فانبرى (عليه السلام) وأجابه:
(والله ما أرزأكم شيئاً وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة)(20)
ليس عنده سوى قطيفة جاء بها من يثرب، وكان باستطاعته أن يلبس الحرير الموشى واللباس الأنيق الذي كان يلبسه غيره من الخلفاء لكنه، وبضميره الحي، أبى أن يصطفي من أموال المسلمين شيئاً، كما أنه لم يؤثر بها أحداً من أهل بيته وأبنائه.روى أبو رافع (21): وكان خازناً لبيت المال. قال:
دخل علي أمير المؤمنين وقد أعطيت ابنته لؤلؤة من بيت المال، فلما رآها عرفها، وقد تغير لونه ومشت الرعدة بأوصاله فقال: (من أين لها هذا؟ والله لأقطعن يدها).
فلما رأى أبو رافع جده في الأمر، وعزمه على ذلك قال له:
(أنا والله يا أمير المؤمنين أعطيتها وهي عارية مضمونة).
فهدأ روعه وسكن غضبه، واندفع قائلاً: (لقد تزوجت بفاطمة وما لي فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها)(22).
إن مثله الرفيعة لم تسمح له أن يؤثر ابنته على بنات المسلمين، وهذا منتهى العدل الذي لم يحققه غيره من المسلمين. ومن شدة حرصه على أموال المسلمين ما رواه عاصم بن كليب عن أبيه قال:
(قدم على علي مال من أصبهان فقسمه على سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفاً فقسمه على سبعة أقسام، ودعا أمراء الأسباع، فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولاً)(23).
هذا العدل الدقيق والمتناهي في الدقة هو العدل الذي نص عليه الله عز وجل في كتابه العزيز، والذي لم تحققه الإنسانية في جميع مراحل تأريخها مهما بلغت من رقي فكري وإبداع فني وتطور في الإدارة والحكم. ولا نجد حكماً عبر التاريخ استطاع بأي حال من الأحوال أن ينشئ نظاماً سياسياً تتحقق فيه العدالة الكبرى كهذا النظام الإسلامي الذي وضع أسسه الإمام علي بن أبي طالب وسار على منهاجه أبناؤه من بعده عليهم أفضل الصلاة والسلام.
هذه هي بعض المثل العليا التي نشدها أهل البيت في ظلال الحكم الإسلامي فقد طبقوا الإسلام بمناهجه العادلة وسلكوا مسلك من يبغي وجه الله ورضاه، فلم يراوغوا كغيرهم ولم يداهنوا ولم ينفقوا المال إلا في محله. ولما آل الأمر إلى ابن أبي سفيان وجدناه يسلك جميع الوسائل المخادعة للوصول إلى الحكم وليورثه إلى ابنه يزيد بالحيلة والدهاء لكن الإمام الباقر (عليه السلام) فقد آثر الحفاظ على مقدرات الإسلام ومعنوياته وسار بسيرة جده وأبيه وجاهد بكل ما لديه من طاقات في سبيل تثبيت الدين الحنيف وإرشاد الناس إلى ما فيه الخير والسلام.
(1) نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ج2 ص18.
(2) أسد الغابة ج4 ص31.
(3) سورة النساء، الآية58.
(4) سورة ص، الآية 26.
(5) العقد الفريد ج1 ص211.
(6) أسول الكافي ج2 ص147.
(7) راجع شرح النهج لمحمد عبده ج3 ص85، والنظام السياسي في الإسلام للأستاذ حبيب ص319.
( شرح النهج ج3 ص85.
(9) شرح النهج ج1 ص180.
(10) سورة البقرة الآية 256.
(11) سورة الحجرات،الآية 9.
(12) سورة الإسراء، الآية 80.
(13) سورة الزمر، الآية 32.
(14) رواه مسلم.
(15) جامع السعادات ج 1 ص 202.
(16) نهج البلاغة ج 2 ص 206.
(17) نفسه ج 2 ص 206.
(18) نهج البلاغة محمد عبده ج 3 ص 78 ومجفو: أي مطرود من البؤس والجفاء، بطيب وجوهه: أي بالحل في طرق كسبه. والمقضم: المأكل.
(19) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 182.
(20) الكامل لابن الأثير ج 8 ص 173 والقطيفة: لباس.
(21) كان قبطياً قيل كان ملكاً للعباس فوهبه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولما أسلم العباس بشر أبو رافع بإسلامه لرسول الله فأعتقه.الاستيعاب ج 4 ص 70.
(22) الكامل ج 8 ص 173.
(23) نفسه ص 173
مواضيع مماثلة
» دور تيار شهيد المحراب في ابعاد العراق عن سياسة المحاور الدولية
» حكم اهل البيت (ع) في الصداقة والاصدقاء
» المهدي منا أهل البيت عليهم السلام
» إحرآم الدموع وحـجُ الشـوق الى البيت
» موسوعة اهل البيت ( ع ) الامام موسى ابن جعفر الكاظم / باب الحوائج عليه السلام / ادعية ايام الاسموع
» حكم اهل البيت (ع) في الصداقة والاصدقاء
» المهدي منا أهل البيت عليهم السلام
» إحرآم الدموع وحـجُ الشـوق الى البيت
» موسوعة اهل البيت ( ع ) الامام موسى ابن جعفر الكاظم / باب الحوائج عليه السلام / ادعية ايام الاسموع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد مايو 18, 2014 9:10 pm من طرف ريحانه العراق محبه الحكيم
» ياطيور الطايرة لرض الطفوف
الأحد مايو 18, 2014 9:07 pm من طرف ريحانه العراق محبه الحكيم
» الشهيد أبو علاء الشبري
الجمعة أكتوبر 14, 2011 6:22 am من طرف جاسم الدجيلي
» منظمة بدر مكتب الدجيل تقيم مادبة افطار في مكتبها في الدجيل بمناسبة حلول الشهر الفضيل
الجمعة أغسطس 12, 2011 9:36 pm من طرف جاسم الدجيلي
» When the first Whirlpool Duet album was released in December 2001 came as a surprise to the public
السبت يوليو 30, 2011 1:25 pm من طرف زائر
» عبد المهدي يبحث مع اللجنة المشرفة على اعمار الروضة العسكرية المطهرة سير العمل في الروضة
الأحد أبريل 10, 2011 7:53 pm من طرف جاسم الدجيلي
» سماحة السيد عمار الحكيم يلتقي نخب وكفاءات الناصرية
الأحد أبريل 10, 2011 7:48 pm من طرف جاسم الدجيلي
» خلال زيارة سماحته عشيرة الجوراني : السيد عمار الحكيم يوجه بحل مشاكل الاهالي وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة
الأحد أبريل 10, 2011 7:46 pm من طرف جاسم الدجيلي
» السيد عمار الحكيم : سقوط النظام الصدامي في ذكرى استشهاد السيد الصدر يمثل انتصارا للحق والفضيلة
الأحد أبريل 10, 2011 7:44 pm من طرف جاسم الدجيلي